فصل: الْأَثر الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَن عبد الله بن زيد لما ألقِي الْأَذَان عَلَى بِلَال قَالَ عبد الله: أَنا رَأَيْته، وَأَنا كنت أريده يَا رَسُول الله! قَالَ: فأقم أَنْت».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه والسياق لَهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن مُحَمَّد بن عبد الله عَن عَمه عبد الله بن زيد قَالَ: «أَرَادَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَذَان أَشْيَاء لم يصنع مِنْهَا شَيْئا قَالَ: فأري عبد الله بن زيد فِي الْمَنَام الْأَذَان، فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، قَالَ: فألقه عَلَى بِلَال. قَالَ: فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ فَأذن بِلَال قَالَ عبد الله: أَنا رَأَيْته، وَأَنا كنت أريده! قَالَ: فأقم أَنْت».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ: كَانَ جدي عبد الله بن زيد... فَذكر الْخَبَر، قَالَ: فَأَقَامَ جدي، قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث حسن، وَفِي إِسْنَاده مقَال.
قلت: لم يبين ذَلِك الْمقَال وَهُوَ من وُجُوه:
أَحدهَا: أَن مُحَمَّد بن عَمْرو الْمَذْكُور هُوَ الوَاقِفِي الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ- كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ لهَذَا الحَدِيث- وَقد ضعفه يَحْيَى بن سعيد جدًّا، وَقَالَ ابْن نمير: لَا يُسَاوِي شَيْئا. وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف.
ثَانِيهَا: أَن مُحَمَّد بن عبد الله لَا يعرف حَاله كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان، قَالَ: وَكَذَلِكَ عبد الله بن مُحَمَّد الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الآخر.
ثَالِثهَا: أَن الْعقيلِيّ نقل فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء عَن البُخَارِيّ عقب هَذَا الحَدِيث: إِن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد عَن أَبِيه، عَن جده لم يذكر سَماع بَعضهم من بعض. قَالَ الْعقيلِيّ- لما ذكر الحَدِيث-: الرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين، وَبَعضهَا أفضل من بعض. انْتَهَى.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَان رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث أبي العميس قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ يحدث عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه رَأَى الْأَذَان مثنى مثنى، وَالْإِقَامَة مثنى مثنى قَالَ: فَأتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: علمهن بِلَالًا. فعلمتهن بِلَالًا، قَالَ: فتقدمت، فَأمرنِي أَن أقيم فأقمت بهم» قَالَ: قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث واه إِسْنَادًا ومتنًا، أما الْإِسْنَاد؛ فَإِن الْحفاظ من أَصْحَاب أبي العميس رَوَوْهُ عَن أبي العميس، عَن زيد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد، وَأما الْوَهم الظَّاهِر فِي مَتنه؛ فَإِنَّهُ أَتَى بمعضلة لم يروها أحد، وَذَلِكَ أَنه أخبر أَن بِلَالًا أذن وَأقَام عبد الله بن زيد، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «من أذن فَهُوَ يُقيم» فِي أَخْبَار كَثِيرَة. قَالَ: وَعبد السَّلَام بن حَرْب الْملَائي أعلم الْكُوفِيّين بِحَدِيث أبي العميس وَأَكْثَرهم عَنهُ رِوَايَة، وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث فَلم فَذكر فِيهِ تَثْنِيَة الْإِقَامَة. هَذَا آخر كَلَام الْحَاكِم عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ، وَلَا يَخْلُو من مشاحة.
وَله طَرِيق ثَالِث رَوَاهَا أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ عَلَى مَا عزاهُ إِلَيْهِ صَاحب الإِمام من حَدِيث الحكم عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «كَانَ أول من أذن فِي الْإِسْلَام بِلَال وَأول من أَقَامَ عبد الله بن زيد فَلَمَّا أذن بِلَال أَرَادَ أَن يُقيم فَقَالَ عبد الله بن زيد: أَنا الَّذِي رَأَيْت الرُّؤْيَا؛ فَأذن بِلَال ويُقيم أَيْضا! قَالَ: فأقم أَنْت» وستعلم- إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْكَلَام عَلَى رفع الْيَدَيْنِ أَن الحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث؛ فَإِن لم يكن هَذَا من تِلْكَ، فَيكون مُنْقَطِعًا وأجمل عبد الْحق فِي الْأَحْكَام القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث؛ فَقَالَ: إِقَامَة عبد الله بن زيد لَيست تَجِيء من وَجه قوي- فِيمَا أعلم- وضعفها النَّوَوِيّ أَيْضا، وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فحسنها فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب، وَاحْتج بهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه، وَمن الرِّوَايَات الغريبة «أَن عمر بن الْخطاب أَقَامَ بعد أَذَان بِلَال».
رَوَاهَا ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو الوَاقِفِي، عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، عَن عَمه عبد الله بن زيد «أَنه رَأَى الْأَذَان فِي الْمَنَام، فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ قَالَ: فَأذن بِلَال. قَالَ: فجَاء عمر بن الْخطاب إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَنا أرَى الرُّؤْيَا وَيُؤذن بِلَال! قَالَ: فأقم أَنْت». قَالَ ابْن شاهين: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا أعلم أَن أحدا قَالَ فِيهِ أَن الَّذِي أَقَامَ الصَّلَاة عمر بن الْخطاب إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، وَالْمَعْرُوف أَن الَّذِي أَقَامَ عبد الله بن زيد بن عبد ربه.
قلت: وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن عَمْرو الوَاقِفِي أَيْضا كَمَا سلف، وَقَالَ الْحَازِمِي فِي ناسخه ومنسوخه: اتّفق أهل الْعلم فِي الرجل يُؤذن وَيُقِيم غَيره عَلَى أَن ذَلِك جَائِز، وَاخْتلفُوا فِي الْأَوْلَوِيَّة، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنه لَا فرق، وَالْأَمر متسع، وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِك: مَالك وَأكْثر أهل الْحجاز، وَأَبُو حنيفَة وَأكْثر أهل الْكُوفَة، وَأَبُو ثَوْر، وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الأولَى أَن من أذن فَهُوَ يُقيم، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: كَانَ يُقَال: من أذن فَهُوَ يُقيم.
وروينا عَن أبي مَحْذُورَة أَنه جَاءَ وَقد أذن إِنْسَان، فَأذن وَأقَام، وَإِلَى هَذَا ذهب أَحْمد، وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي رِوَايَة الرّبيع عَنهُ: «وَإِذا أذن الرجل أَحْبَبْت أَن يتَوَلَّى الْإِقَامَة» لشَيْء يرْوَى: «إِن من أذن فَهُوَ يُقيم».
قَالَ الْحَازِمِي: وَحجَّة هَذَا الْمَذْهَب حَدِيث الصدائي؛ لِأَنَّهُ أقوم إِسْنَادًا من حَدِيث عبد الله بن زيد، ثمَّ حَدِيث عبد الله بن زيد كَانَ فِي أول شرع الْأَذَان، وَذَلِكَ فِي السّنة الأولَى، وَحَدِيث الصدائي كَانَ بعده بِلَا شكّ، وَالْأَخْذ بآخر الْأَمريْنِ أولَى. قَالَ: وَطَرِيق الْإِنْصَاف أَن يُقَال: الْأَمر فِي هَذَا الْبَاب عَلَى التَّوسعَة وادعاء النّسخ مَعَ إِمْكَان الْجمع بَين الْحَدِيثين عَلَى خلاف الأَصْل؛ إِذْ لَا عِبْرَة بِمُجَرَّد التَّرَاخِي. ثمَّ نقُول فِي حَدِيث عبد الله بن زيد: إِنَّمَا فوض الْأَذَان إِلَى بِلَال؛ لِأَنَّهُ كَانَ أندى صَوتا من عبد الله- عَلَى مَا ذكر فِي الحَدِيث- وَالْمَقْصُود من الْأَذَان الْإِعْلَام، وَمن شَرطه الصَّوْت، فَكلما كَانَ الصَّوْت أَعلَى كَانَ أولَى، وَأما زِيَاد بن الْحَارِث فَكَانَ جَهورِي الصَّوْت وَمن صلح للأذان كَانَ للإقامة أصلح، وَهَذَا الْمَعْنى يُؤَكد قَول من قَالَ: من أذن فَهُوَ يُقيم.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُؤَذّن أملك بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أملك بِالْإِقَامَةِ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين أَحدهمَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء وزِيَادَة: «اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة، واغفر للمؤذنين» رَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله كَذَلِك من حَدِيث شريك بن عبد الله القَاضِي، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ النَّاس عَن الْأَعْمَش بِلَفْظ آخر، وَهُوَ: «الإِمَام ضَامِن».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: من وثق شَرِيكا وَصحح حَدِيثه لَا يَنْبَغِي أَن يقْدَح هَذَا عِنْده فِيهِ؛ لِأَن هَذِه زِيَادَة لَا تعارضها تِلْكَ الرِّوَايَة.
ثَانِيهمَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «المؤذنون أَحَق بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أَحَق بِالْإِقَامَةِ».
رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث معارك بن عباد، عَن يَحْيَى بن أبي الْفضل، عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ ومعارك هَذَا ضعفه غير وَاحِد، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أَحَادِيثه مُنكرَة.
قلت: وَرُوِيَ من طَرِيق ثَالِث مَوْقُوفا عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «الْمُؤَذّن أملك بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَام أملك بِالْإِقَامَةِ».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه هَكَذَا مَوْقُوفا عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ثمَّ قَالَ: رَوَى شريك عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ وَقد أسلفنا الْكَلَام عَلَيْهَا أَولا، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب- بِفضل الله وَمِنْه- وَذكر الرَّافِعِيّ فِي آخِره خَاتِمَة مُشْتَمِلَة عَلَى محبوبات الْأَذَان وَلكُل مِنْهَا حَدِيث شَاهد بذلك، وَلَيْسَ من شرطي الْخَوْض فِي ذَلِك، لِئَلَّا يصير شرحًا لكتاب الرَّافِعِيّ، وَإِنَّمَا شرطي أَن أعزو مَا صرح بِهِ أَو أَوْمَأ إِلَيْهِ.

.وَأما آثاره:

فَأَرْبَعَة:

.أَولهَا:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ بِإِسْنَاد صَحِيح بِهِ وَزِيَادَة: «وَلَا إِقَامَة» وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: حَكَى أَصْحَابنَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان وَلَا إِقَامَة» قَالَ: وَهَذَا لَا نعرفه مَرْفُوعا؛ إِنَّمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ وَسليمَان بن يسَار، وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ: يقمن.
قلت: قد جَاءَ مَرْفُوعا من حَدِيث الحكم بن عبد الله الْأَيْلِي ورَوَاهُ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه عَن الْقَاسِم، عَن أَسمَاء قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاء أَذَان وَلَا إِقَامَة وَلَا جُمُعَة وَلَا اغتسال، وَلَا تتقدمهن امْرَأَة، وَلَكِن تقوم فِي وسطهن» ولكنه حَدِيث ضَعِيف بِسَبَب الحكم هَذَا؛ فَإِنَّهُ مَتْرُوك مُتَّهم نسبه إِلَى الْكَذِب السَّعْدِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء، لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه كلهَا مَوْضُوعَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه هَكَذَا رَوَاهُ الحكم بن عبد الله الْأَيْلِي، وَهُوَ ضَعِيف.
قَالَ: ورويناه فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة عَن أنس مَرْفُوعا وموقوفًا، وَرَفعه ضَعِيف.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا كَانَت تؤذن وتقيم».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِزِيَادَة: «وتؤم النِّسَاء وسطهن».
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة قَالَ: سَأَلت ابْن ثَوْبَان: عَلَى النِّسَاء إِقَامَة؟ فَحَدثني أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: سَأَلت مَكْحُولًا فَقَالَ: إِذا أذنَّ وأقمن فَذَلِك أفضل، وَإِن لم يزدن عَلَى الْإِقَامَة أَجْزَأت عَنْهُن. قَالَ ابْن ثَوْبَان: وَإِن لم يقمن، فَإِن الزُّهْرِيّ حدث عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: كُنَّا نصلي بِغَيْر إِقَامَة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِن صَحَّ مَعَ الأول فَلَا يتنافيان لجَوَاز فعلهَا ذَلِك مرّة وَتركهَا أُخْرَى؛ لجَوَاز الْأَمريْنِ جَمِيعًا. قَالَ: وَيذكر عَن جَابر بن عبد الله «قيل لَهُ: أتقيم الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم».

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَوْلَا الخليفى لأذنت».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: «قدمنَا عَلَى عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: من مؤذنكم؟ فَقُلْنَا: عبيدنا وموالينا. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا يقلبها- عبيدنا وموالينا؟! إِن ذَلِك بكم لنَقص شَدِيد لَو أطقت الْأَذَان مَعَ الخليفى لأذنت».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا عَن قيس قَالَ: قَالَ عمر: لَو كنت أُطِيق الْأَذَان مَعَ الخليفى لأذنت.
وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ- عَلَى مَا نَقله صَاحب الإِمام عَنهُ- من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا قَالَ: ثَنَا شبيل بن عَوْف البَجلِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «من مؤذنوكم الْيَوْم؟ قُلْنَا: موالينا وعبيدنا. قَالَ: إِن ذَلِك بكم لنَقص كَبِير» قَالَ: وَقَالَ إِسْمَاعِيل: قَالَ: وقَالَ عمر: «لَو كنت أُطِيق مَعَ الخليفى لأذنت» وَقَالَ حُصَيْن: حدثت أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «لَوْلَا أَن يكون سنة مَا أذن غَيْرِي».
فَائِدَة:
الخليفى- بتَشْديد اللَّام مَعَ كسر الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُور.
وَقيس بن أبي حَازِم هَذَا تَابِعِيّ جليل، رَوَى عَن الْعشْرَة، وَلَا يعرف أحد رَوَى عَن الْعشْرَة غَيره، قَالَه ابْن خرَاش الْحَافِظ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يسمع ابْن عَوْف. وَذكر الْحَاكِم مَعَ قيس هَذَا سعيد بن الْمسيب وَغَيره، وَفِيه نظر لَا يخْفَى، وَاسم أَبِيه: عبد عَوْف بن الْحَارِث، وَقيل: عَوْف الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ من المخضرمين، أدْرك الْجَاهِلِيَّة، وَجَاء ليبايع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتوفي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيق، وَقيل فِي المخضرم غير ذَلِك، مِمَّا أوضعته فِي الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث فِي النَّوْع الْأَرْبَعين؛ فَرَاجعه مِنْهُ تَجِد غرائب ونفائس لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره.

.الْأَثر الرَّابِع:

أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَخذ أَرْبَعَة من المؤذنين، وَلم يزدْ الْخُلَفَاء الراشدون عَلَى هَذَا الْعدَد.
وهَذَا الْأَمر مَشْهُور فِي كتب أَصْحَابنَا، وَمِمَّنْ ذكره مِنْهُم صَاحب الْمُهَذّب وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ، وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديثه بَيَاضًا، وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ بَاب عدد المؤذنين، وَذكر فِي آخِره زِيَادَة عُثْمَان: «التأذين يَوْم الْجُمُعَة» ثمَّ قَالَ: الْخَبَر ورد فِي التأذين لَا فِي الْمُؤَذّن. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَهُوَ إِذا أَدخل فِي الْبَاب غير مَا ترْجم لَهُ، وَفِي الْمعرفَة لَهُ عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه قَالَ: احْتج الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء عَلَى جَوَاز أَكثر من مؤذنين اثْنَيْنِ بِقصَّة عُثْمَان، قَالَ: ومعروف أَنه زَاد فِي عدد المؤذنين فجعلهم ثَلَاثَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد روينَا فِي حَدِيث السَّائِب بن يزِيد أَن التأذين الثَّالِث يَوْم الْجُمُعَة إِنَّمَا أَمر بِهِ عُثْمَان حِين كثر أهل الْمَدِينَة إِلَّا أَن أهل الْعلم يَقُولُونَ: المُرَاد بِهِ التأذين الثَّالِث مَعَ الْإِقَامَة، وَذَلِكَ لِأَن فِي حَدِيث السَّائِب «وَكَانَ التأذين يَوْم الْجُمُعَة حِين يجلس الإِمَام» فَالَّذِي زَاد عُثْمَان هُوَ الْأَذَان قبل خُرُوج الإِمَام. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَلَى هَذَا يدل كَلَام الشَّافِعِي فِي كتاب الْجُمُعَة. قَالَ: وَلَعَلَّه زَاد أَيْضا فِي عدد المؤذنين.
خاتمتان نختم بهما الْبَاب:
الأولَى: قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب: وَأما الْجمع بَين الْأَذَان الْإِمَامَة فَلَا يسْتَحبّ؛ لِأَنَّهُ لم يَفْعَله رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَمر بِهِ، وَلَا السّلف الصَّالح بعده، هَذَا لَفظه. وَفِي كَون الرَّسُول لم يفعل ذَلِك نظر؛ فَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يعْلى بن مرّة: «فَأذن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته وَأقَام وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته» ثمَّ قَالَ: غَرِيب.
وَقد أخرجه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالا فِيهِ: «فَأمر الْمُؤَذّن فَأذن وَأقَام» وَقد أوضحت ذَلِك أكمل إِيضَاح فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط فَرَاجعه مِنْهُ.
الثَّانِيَة: قَالَ الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي أثْنَاء مَسْأَلَة الْأَذَان وَالْإِقَامَة أَيهمَا أفضل؟ إِن الْمَنْقُول أَن سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي تشهده: «أشهد أَنِّي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَفِيمَا ذكره نظر؛ فَإِن الْمَنْقُول خِلَافه وَأَن لفظ تشهده: أشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، كَمَا ستعلمه بِطرقِهِ فِي أَوَاخِر بَاب صفة الصَّلَاة عِنْد الْكَلَام عَلَى ذكر التشهدات، وَلَقَد أصَاب النَّوَوِيّ فِي التَّنْقِيح شرح الْوَسِيط حَيْثُ قَالَ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول فِي تشهده: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله».

.باب اسْتِقْبَال الْقبْلَة:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْبَيْت ودعا فِي نواحيه، ثمَّ خرج وَركع رَكْعَتَيْنِ فِي قبُل الْكَعْبَة، وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعاه فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما دخل الْبَيْت دَعَا فِي نواحيه كلهَا، وَلم يصل فِيهَا حَتَّى خرج، فَلَمَّا خرج ركع فِي قبل الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة».
فَائِدَة: قَوْله: «ركع فِي قبل الْبَيْت» قَالَ الْخطابِيّ: قبُل كل شَيْء وقبلته: مَا استقبلك مِنْهُ. وَقَالَ القلعي: قبل الْبَيْت، أَي: بِحَيْثُ تقابله وتعاينه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بقبلها: وَجههَا؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح من حَدِيث ابْن عمر: «فَصَلى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجه الْكَعْبَة» قَالَ: وَهَذَا أحسن مَا قيل فِيهِ- إِن شَاءَ الله. قَالَ: وقبلة: بِضَم الْبَاء، وَيجوز إسكانها.
و: قَوْله: «هَذِه الْقبْلَة» قَالَ الْخطابِيّ فِي مَعْنَاهُ: إِن أَمر الْقبْلَة قد اسْتَقر عَلَى هَذِه البنية؛ فَلَا تنسخ بعد الْيَوْم، فصلوا إِلَيْهِ أبدا فَهُوَ قبلتكم. قَالَ: وَيحْتَمل أَنه علمهمْ موقف سنة الإِمَام وَأَنه يقف فِي وَجههَا دون أَرْكَانهَا وجوانبها، وَإِن كَانَت الصَّلَوَات فِي جَمِيع جهاتها مجزئة.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَيحْتَمل مَعْنَى ثَالِثا وهُوَ أَن مَعْنَاهُ: هَذِه الْكَعْبَة هِيَ الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي أمرْتُم باستقباله؛ لَا كل الْحرم وَلَا مَكَّة وَلَا الْمَسْجِد الَّذِي حول الْكَعْبَة بل هِيَ نَفسهَا فَقَط.
فَائِدَة ثَانِيَة: نفي أُسَامَة صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْكَعْبَة، وَكَذَا ابْن عَبَّاس فِي صَحِيح البُخَارِيّ وأثبتها بِلَال، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأجْمع أهل الحَدِيث عَلَى الْأَخْذ بهَا لِأَنَّهَا مثبتة وَمَعَهَا زِيَادَة علم، فَوَجَبَ ترجيحها، وَأجَاب بَعضهم عَن الأول بِأَن المُرَاد نفي الرُّؤْيَة فَقَط لَا النَّفْي الْمُطلق، وَعَابَ ابْن حبَان هَذَا فِي صَحِيحه وَجمع بَينهمَا بِأَن ذَلِك بِاعْتِبَار حالتين فِي عَاميْنِ وَأحسن مِنْهُ بِاعْتِبَار وَقْتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ، وَقد ذكرت ذَلِك كُله موضحًا فِي شرحي للعمدة فَليُرَاجع مِنْهُ.

.الحديث الثَّانِي:

أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ ذَلِك فِي تَفْسِير قَول الله- تَعَالَى-: {فَإِن خِفْتُمْ فرجالًا أَو ركبانًا} يَعْنِي: مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها. قَالَ نَافِع: وَلَا أرَاهُ ذكر ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب التَّفْسِير من صَحِيحه عَن عبد الله بن يُوسُف، عَن مَالك، عَن نَافِع «أَن عبد الله بن عمر كَانَ إِذا سُئِلَ عَن صَلَاة الْخَوْف قَالَ: يتَقَدَّم الإِمَام وَطَائِفَة من النَّاس...- فَذكر صفتهَا- قَالَ: فَإِن كَانَ خوف أَشد من ذَلِك صلوا رجَالًا قيَاما عَلَى أَقْدَامهم أَو ركبانًا مستقبلي الْقبْلَة أَو غير مستقبليها» قَالَ مَالك قَالَ نَافِع: لَا أرَى ابْن عمر ذكر ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي صَحِيح مُسلم أَن ابْن عمر رَوَى صَلَاة الْخَوْف ثمَّ قَالَ-
أَي ابْن عمر: إِن كَانَ خوف أَكثر من ذَلِك فصل. رَاكِبًا وقَائِما تومئ إِيمَاء.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: وَهُوَ ثَابت من جِهَة مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَائِدَة: قَوْله تَعَالَى: {فَإِن خِفْتُمْ} أَي: عدوًّا؛ فَحذف الْمَفْعُول بِهِ لإحاطة الْعلم بِهِ، قَالَه الواحدي. قَالَ: وَالرِّجَال: جمع راجل، كصاحب وصحاب، وَهُوَ الْكَائِن عَلَى رجله مَاشِيا كَانَ أَو وَاقِفًا. قَالَ: وَجمعه رجل، رجالة، وَرِجَال. قَالَ: والركبان جمع رَاكب كفارس وفرسان. قَالَ: وَمَعْنى الْآيَة: وَإِن لم يمكنكم أَن تصلوا صُفُوفا موفين للصَّلَاة حُقُوقهَا فصلوا مشَاة وركبانًا؛ فَإِن ذَلِك يجزئكم. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذَا فِي حَال المسايفة والمطاردة، قَالَ ابْن عمر فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة: مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها.
هَذَا آخر كَلَام الواحدي فَصرحَ بِأَن كَلَام ابْن عمر تَفْسِير لِلْآيَةِ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب: وَكَانَ بعض شُيُوخنَا يذهب إِلَى هَذَا، وَكَانَ بَعضهم يَقُول: لَيْسَ هُوَ بتفسير؛ بل هُوَ بَيَان حكم من أَحْكَام صَلَاة الْخَوْف. قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ ظَاهر رِوَايَة البُخَارِيّ.

.الحديث الثَّالِث:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت.
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَفظ البُخَارِيّ عَن نَافِع قَالَ: «كَانَ ابْن عمر يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته ويوتر عَلَيْهَا، ويخبر أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَفْعَله» وَفِي رِوَايَة لَهُ: كَانَ عبد الله بن عمر يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته أَيْنَمَا تَوَجَّهت يُومِئ. وَيذكر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَفْعَله، وَفِي رِوَايَة لَهُ: كَانَ عبد الله يُصَلِّي عَلَى دَابَّته من اللَّيْل وَهُوَ مُسَافر، مَا يُبَالِي حَيْثُ كَانَ وَجهه. قَالَ ابْن عمر: وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسبح عَلَى الرَّاحِلَة قبل أَي وَجه توجه ويوتر عَلَيْهَا غير أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة.
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ، يُومِئ إِيمَاء صَلَاة اللَّيْل إِلَّا الْفَرَائِض، ويوتر عَلَى رَاحِلَته وَفِي أُخْرَى: يُومِئ بِرَأْسِهِ، وَلَفظ مُسلم: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي سبحته حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ نَاقَته وَفِي لفظ لَهُ: كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ وَفِي لفظ لَهُ: حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ، وَكَانَ ابْن عمر يفعل ذَلِك وَفِي لفظ لَهُ: «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه وَفِيه نزلت: {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله}» وَفِي لفظ لَهُ: ثمَّ تَلا ابْن عمر: {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَقَالَ: فِي هَذَا نزلت وَفِي لفظ لَهُ: «رَأَيْته يُصَلِّي عَلَى حمَار وَهُوَ موجه إِلَى خَيْبَر» قَالَ عبد الْحق: تفرد بهَا، وَالصَّحِيح: «عَلَى رَاحِلَته» وَفِي لفظ لَهُ: «كَانَ يسبح عَلَى الرَّاحِلَة قبل أيُ وَجه توجه، ويوتر عَلَيْهَا غير أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة».
وَقَالَ أَحْمد فِي مُسْنده: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء أَو عَطِيَّة عَن أبي وسعيد عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته فِي التَّطَوُّع حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ يُومِئ إِيمَاء يَجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع» قَالَ عبد الله: وَالصَّوَاب عَطِيَّة، وَالله أعلم.

.الحديث الرَّابِع:

عَن جَابر بن عبد الله مثل حَدِيث ابْن عمر.
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ، رَوَاهُ البُخَارِيّ بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: من حَدِيث عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة أَنْمَار كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته مُتَوَجها قبل الْمشرق».
ثَانِيهَا: «كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة».
ثَالِثهَا: «كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته نَحْو الْمشرق؛ فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة».
قَالَ عبد الْحق: وَالنُّزُول للمكتوبة من أَفْرَاده.
رَابِعهَا: «كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّع وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة».
وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ من حَدِيث أبي الزبير عَنهُ:
أَحدهَا: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَعَثَنِي فِي حَاجَة، فَرَجَعت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته وَوَجهه إِلَى غير الْقبْلَة...» الحَدِيث.
ثَانِيهَا: «أَتَيْته وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بعيره، يومىء بِرَأْسِهِ» الحَدِيث.
ثَالِثهَا: أَدْرَكته يُصَلِّي وَهُوَ موجه يَوْمئِذٍ قبل الْمشرق... الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: إِنِّي كنت أُصَلِّي نَافِلَة.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَاجَة، فَجئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته نَحْو الْمشرق السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع.
وَهَذَا إِسْنَاد كُله عَلَى شَرط مُسلم، كَمَا نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي جامعه عَن مَحْمُود بن غيلَان، عَن وَكِيع وَيَحْيَى بن آدم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: وَالسُّجُود بِزِيَادَة وثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرُوِيَ من غير وَجه عَن جَابر، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم، لَا نعلم بَينهم اخْتِلَافا؛ لَا يرَوْنَ بَأْسا أَن يُصَلِّي الرجل عَلَى رَاحِلَته تَطَوّعا حَيْثُمَا كَانَ وَجهه إِلَى الْقبْلَة أَو غَيرهَا.
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي أَبُو الزبير، عَن جَابر قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته النَّوَافِل فِي كل جِهَة، وَلكنه يخْفض السَّجْدَتَيْنِ من الرَّكْعَة يُومِئ إِيمَاء. وَفِي رِوَايَة عَن ابْن جريج عَن أَبَى الزبير أَيْضا «يخْفض السَّجْدَتَيْنِ من الرَّكْعَتَيْنِ»
وَأما ابْن الْقطَّان، فَإِنَّهُ أعل حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر عَلَى طَريقَة عبد الْحق بِأَن قَالَ: أَبُو الزبير لم يسمع من جَابر، وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
وَهَذَا لَيْسَ بجيد فَإِنَّهُ قد ثَبت سَمَاعه مِنْهُ فِي هَذَا الحَدِيث.
قَالَ الشَّافِعِي: أَنا عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته النَّوَافِل».
وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: نَا ابْن خُزَيْمَة نَا أَحْمد بن الْمِقْدَام، نَا مُحَمَّد بن بكر نَا ابْن جريج، نَا أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته، يُصَلِّي النَّوَافِل فِي كل وَجه وَلكنه يخْفض السَّجْدَتَيْنِ من الرَّكْعَتَيْنِ يُومِئ إِيمَاء».
وَقَول ابْن الْقطَّان أَيْضا: وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، لَيْسَ كَمَا ذكره فقد أخرجه أَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَهُوَ اللَّفْظ الثَّالِث لمُسلم كَمَا أسلفناه، وَقد توبع أَبُو الزبير عَلَى رِوَايَته هَذَا الحَدِيث عَن جَابر رَوَاهُ شَيبَان بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَن جَابر بن عبد الله أخبرهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّع وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة» ذكرهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام.
تَنْبِيه: اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- اسْتدلَّ بِحَدِيث جَابر هَذَا وَبِحَدِيث ابْن عمر السالف عَلَى أَنه لَا يشْتَرط فِي التَّنَفُّل إِلَى غير الْقبْلَة السّفر الطَّوِيل؛ فَإِنَّهُ قَالَ: هَل يخْتَص ذَلِك بِالسَّفرِ الطَّوِيل؟ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا: لَا؛ لإِطْلَاق الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَرُوِيَ مثله عَن جَابر، وَفِي ذَلِك نظر؛ فَإِن لفظ السّفر فِي الحَدِيث لَا عُمُوم لَهُ؛ فَإِنَّهُ حِكَايَة أَمر وَقع فِي الْمَاضِي- أَعنِي قَوْله: «كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر عَلَى رَاحِلَته»- فَلَا يَشْمَل الطَّوِيل والقصير، فَيَنْبَغِي أَن يحمل عَلَى الطَّوِيل احْتِيَاطًا؛ بل رِوَايَة ابْن عمر السالفة: «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مقبل من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته» صَرِيح فِي كَونه طَويلا، فَلم لَا يحمل الْمُطلق عَلَيْهِ، وَالله أعلم.